المدينة المبدعة (اليونسكو 2017) عاصمة السياحة العربيَّة 2022 (مأدبا مدينة الفسيفساء)
تقع بلديَّة مادبا على خطِّ العرض 31 شمال خطِّ الاستواء 35 شرقي غرينتش، وعلى مسافة 33 كم جنوب غرب العاصمة عمَّان، وهي مركز المحافظة، ويبلغ عدد سكَّانها 180.504 ألف نسمة، ومساحتها 54 كم².
اشتُقَّ اسم مادبا من لفظة آراميَّة سريانيَّة، وهي مركَّبة من كلمتين هما؛ (ميا) و(ايبا). الكلمة الأولى (ميا) تعني المياه، والكلمة الثانية (ايبا) تعني الفاكهة، فيكون معناها مياه الفاكهة، وأوَّل ذكر لمدينة مادبا ظهر في التوراة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد عند وصول جموع العبرانيِّين للمنطقة بقيادة موسى عليه السلام، وتعاقبت على المدينة حضارات عديدة أبرزها؛ المؤابيَّة 1160 قبل الميلاد، والأنباط، والرومانيَّة، والبيزنطيَّة، والإسلاميَّة .
استوطنت مملكة مؤاب منطقة جنوب نهر الموجب، وكانت عاصمتها (قيرحارس) أي الكرك، ولكن مع مرور الزمن، أخذت هذه المملكة بالامتداد شمالًا، فعبروا منطقة حسبان، واستولوا على الأراضي. وكانت مادبا من أشهر مدنهم بالإضافة إلى الكرك وماعين وأم الرصاص وذيبان. ومن أقدم ما دوِّنَ عن مادبا يعود إلى نصبٍ تذكاري للملك ميشع عام 1180 قبل الميلاد، والذي أُقيم كنصبٍ تذكاري تخليدًا لأمجاد ميشع بن قموش، وفي عهد هذا الملك أخذت مادبا أهميَّة خاصَّة كونها كانت مكانًا مقدَّسًا لإله مؤاب. منذ القرن السادس قبل الميلاد بدأ الأنباط بتأسيس ما عُرِفَ بمملكة الأنباط من الشواطئ الشرقيَّة للبحر الميت، آخذين بالتوسُّع شمالًا وجنوبًا، وخلال أربعة قرون سيطر الأنباط على معظم مدن المنطقة، ومنها مدينة مادبا التي أصبحت تحت سيطرتهم في عهد الملك الحارث الأوَّل عام 169 ق.م، وكان يسكنها في ذلك الوقت بنو يمري.
دخل الرومان المنطقة عام 63 ق.م، حيث استولى بومباي على سوريا وانتشر إلى الجنوب، إلا إنَّ الحارث النبطي منعه من دخول المنطقة، وفي 22 آذار 106، جرى تحويل مقاطعة نباطيا إلى مقاطعة رومانيَّة بمرسومٍ روماني، وكانت بصرى عاصمة لها، وقام الرومان بشقِّ الطرق من دمشق حتَّى بصرى وبعض المدن المهمَّة مثل مادبا، وقام الرومان آنذاك بتحديد مدينة مادبا حسب مبادىء تخطيط المدن الرومانيَّة، فأحاطوا المدينة بأسوار، وأقاموا البرك لتوفير المياه، بالإضافة إلى الآبار.
وعند زيارة مدينة مادبا في الملكة الأردنيَّة الهاشميَّة، يتَّضح للزائر أنَّ هذه المدينة قد نشطت خلال العصر الروماني والبيزنطي والإسلامي في تطوير هذا الفنّ، وأصبح طابعًا رئيسًا لمعظم البقايا المعماريَّة التي خلَّفتها تلك الحضارات، حيث وجدت الأرضيَّات الفسيفسائيَّة في القصور، والمعابد، والكنائس، وبيوت العامَّة، للتزين وتجميل هذه المباني المعماريَّة، بطريقةٍ تتناسب مع المفاهيم الدينيَّة والاجتماعيَّة، والبيئة المحيطة .
لقد زُيِّنت هذه الأرضيَّات بمواضيع عامَّة من الحياة الاجتماعيَّة والدينيَّة والبيئة المحيطة بأشكال مختلفة، وأصبحت تتطوَّر تدريجيًّا عبر العصور، فلقد بدأت بقطع حجريَّة ذوات مكعَّبات كبيرة الحجم، ثمَّ صغيرة الحجم، وملوَّنة، ومزجَّجة .
ومن خلال الحفريَّات الأثريَّة والاكتشافات التي ظهرت خلال القرن الماضي في مدينة مادبا، ظهرت العديد من هذه الأرضيَّات في مواقع ضخمة، ولا يكاد موقع أثري يخلو من مفاهيم هذا الفنّ وبقاياه التي خلَّدت ذكرى الشعوب والثقافات التي سكنت هذه المدينة عبر عصورها .
مادبا الحديثة هي نتاج ألفة ومحبَّة بين سكَّانها من مختلف المنابت، فكما فسيفساء مادبا تجمِّلها وتعطيها الشهرة، فإنَّ سكان مادبا يعطونها الصورة والمثل في الحياة المشتركة والتعاون. إنَّ مادبا كما الأردن لها خصوصيَّة في الحضارة العمونيَّة والمؤابيَّة والنبطيَّة والأدوميَّة، أعطت الاردن خصوصيَّة روحيَّة ثقافيَّة متنوِّعة وفريدة، تمازجت مع الثقافة الآشوريَّة، والبابليَّة، والفارسيَّة، واليونانيَّة، والرومانيَّة، والبيزنطيَّة، والديانة المسيحيَّة والإسلاميَّة، لتكون ينبوعًا فريدًا من العقائد والأساطير، لا يناظرها تراث أيَّة منطقة.
تمتاز المدينة بالطابع السياحي لتوفُّر مقوّمات السياحة الدينيَّة والعلاجيَّة وذلك لوجود المواقع الدينيَّة بمناطقها المختلفة، والأملاح والمعادن في منطقه حمَّامات ماعين، علاوة على تنوُّع المناخ في مختلف مناطق المحافظة، الأمر الذي يشجِّع السيَّاح والمتنزّهين القدوم إلى هذه المناطق على مدار العام. تزخر مادبا بمواقع أثريَّة كثيرة مهمَّة ومنها؛ المسجد العمري، وكنيسة الخارطة، وكنيسة الرسل، وكنيسة الخضر، وكنيسة مريم العذراء، وكنيسة النبي ايليا، والمخيط، ومكاور(مشنقة)، وذيبان، وعطرز، وحسبان، وماسوح، وأم الرصاص، واللاهون، والجبيل، والزعفران، والمشقر.
ويوجد فيها جبل نيبو الذي يطلُّ على البحر الميت أخفض منطقة في العالم، كما يوجد في المحافظة مخيَّم للاجئين الفلسطينيِّين تدعمه الحكومة الأردنيَّة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التابعة للأمم المتَّحدة .
انضمَّت مدينة مادبا إلى شبكة المدن المبدعة عام 2017 بعد ترشيحها من قبل مجلس الحرف العالمي لليونسكو عام 2016 بالحرفة والفنون الشعبيَّة بحرفة الفسيفساء الحجريَّة، حيث يوجد فيها أهمّ صرح علمي “معهد مادبا لفن الفسيفساء والترميم”؛ وهو الوحيد من نوعه في العالم الذي يخرِّج طلابًا بدرجة الدبلوم المتوسِّط، ويعلِّم هذه الحرفة، كذلك من أهم المواقع في مادبا موقع كنيسة الخارطة، وموقع جبل نيبو المعروف؛ حيث زار البابا مادبا عام 2000 واعتمد فيها مسار الحجّ المسيحي (المغطس ونيبو).
وأخيرًا تمَّ ترشيح مدينة مادبا عاصمة السياحة العربيَّة لعام 2022 من قبل منظّمة السياحة العربيَّة، بعد تحقيق جميع المعايير والشروط بين المدن العربيَّة لهذا العام. .
يقطن محافظة مادبا عدد كبير من السكان، حيث بلغ عدد سكانها في عام 2024 حوالي 228.200 نسمة.